سلسلة اللاهوت المسيحي 5 - الله ما الجدوى منه ؟

ما الجدوى من الله؟ إنّ الإلحاد المعاصر يدعونا إلى نقد الأوجه المزيّفة التي غالبًا ما نعزوها إلى الله. لم يعد بإمكاننا اليوم المزح مع الله. فإما أنّنا سنغرق نحن أيضًا في الإلحاد، وإمّا أنّنا سنجد الإله لا يكون أخيرًا إلا الله. إنّ هذا الإله هو الله الحيّ الذي يضع الإنسان في التساؤل، وليس إلهًا على مقياسنا، ولا يكون إلا انعكاسًا للرغبات الإنسان.

إن إله الأديان الذي يلبّي حاجة الإنسان الدينيّة هو إله يلبّي الانتظار البشري بصورة تكاد تكون مفرطة. إنّه مكمَّل احتياجات الإنسان، وهو الإله مفسّر الكون الذي يشبع تناغمات الروح، الإله الذي يعزّي ويمنح راحة بالٍ، الإله الكفيل بضماناتنا العائليّة. أمّا الإله وفقًا للمسيحيّة فليس النفعيّة الأسمى للإنسان، وإنّما الإله الحيّ، الذي يمجّد الخليقة ويؤلّها أبعد بكثير من تطلّعاتها الإنسانيّة. ففي المسيحيّة، يتخطّى جواب الله سؤال الإنسان كليًا. بل علينا أن نقول إنّ الله ذاته هو الذي يخلق السؤال (سؤال الخلاص بكشف الخطيئة) ويعطي في الوقت ذاته الجواب (الانتصار على الخطيئة وعلى الموت). هو يرفض أن يكون مجرّد مستودع طايقة يُغترف منه سبيل تغيير العالم وفي سبيل الاضطلاع بشجاعة لنضال الحياة اليوميّة.
______________________________
كلود جيفري الدومنيكانيّ
لاهوتيّ دومنيكانيّ وُلد في فرنسا عام 1926م، ودرّس الفلفسفة وللاهوت في كليّة السلشوار في باريس. حصل على الدكتوراه من جامعة "أنجليكوم" في روما عام 1967م بعنوان "الخطيئة كغياب العدالة ونقض للمحبّة".
درّس اللاهوت الأساسيّ ولاهوت الأديان، والتأويل في كليّات وجامعات متعدّدة. عام 1996م أصبح مديرًا للمركز الفرنسيّ للآثار والكتاب المقدّس بالقدس. وتوفى في باريس عام 2017م.
على الساحة اللاهوتية المعاصرة، يعد جيفري داعيًا لممارسة تأويليّة لاهوتيّة، في كلّ حقبة من تاريخها، يحدّد اللاهوت مهمّة جعل لغة أكثر وضوحًا وأكثر جدوى. قد سعى إلى إخراج اللاهوت المسيحيّ من عزلته الثقافيّة بالتغلّب، بأسم الإنجيل، على الفواصل المزيّفة بين الإيمان والعقل.